من باول إلى بلينكن.. سجل العار

بقلم: عبد الرحيم أحمد

لاتخجل الإدارات الأميركية المتعاقبة من قبح سياساتها ولا من فظاعة جرائمها، ولا تجد حرجاً في استعادة الكذبة عشرات المرات طالما هناك من يسمع ويصغي ويصفق في أحيان كثيرة، لم تعدم واشنطن الحيلة في نقل أدوار التمثيل من وزير خارجية إلى آخر، فكلهم يجيدون التمثيل ويتفوقون على أقرانهم في العواصم الغربية الأخرى رغم منافسة بعض وزراء الخارجية في لندن وباريس.

 

قد يتساءل المرء من أين يستحضر وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن هذا الحس الإنساني العالي تجاه “السوريين المعذبين” الذين يقول إن 60 بالمئة منهم يعانون خطر المجاعة دون أن يهمس أحد في أذنه أن سورية كانت تطعم 24 مليوناً وقادرة على إطعام أضعافهم من حقول القمح التي تسرقها واشنطن وأدواتها الانفصالية.

 

لاشك أن حفلة الرقص على أوجاع السوريين في مجلس الأمن لم تنته بعد، ولاشك أيضاً أن الاستثمار في المشاعر الإنسانية وحقوق الإنسان والإرهاب مازال مجدياً، لكن على بلينكن الذي يدعو مجلس الأمن الدولي للتصرف حيال أكثر من 13 مليون سوري مهددين – كما يقول- بخطر المجاعة، أن يخجل من نفسه لأن بلاده هي المسؤول الرئيسي عن أزمات السوريين.

 

لم يخجل بلينكن وهو يتحدث عن أم سورية “باعت شعرها” لتطعم أبناءها وهو يدرك تماماً أن بلاده من أوصلت هذه الأم السورية وغيرها الكثيرات إلى هذا الوضع وتسببت بشراكة حقيقية مع الإرهاب في تشريد آلاف العائلات السورية وفقدان أبنائها .. كما لم يخجل عندما تحدث عن تدفئة السوريين وغذائهم في الوقت الذي تغلق فيه أساطيل جيش بلاده أعالي البحر وتمنع عن الشعب السوري ناقلات النفط والغاز والغذاء.

 

ولا ندري كيف يصدّق وزير الخارجية الأميركي أن السوريين يعولون على مجلس الأمن الدولي؟؟ لاشك أنه واهم، فهم يدركون منذ عقود أن هذا المجلس أسير السطوة والعنجهية الأميركية وأدواتها من دول الغرب وأنه ليس إلا مسرحاً للتمثيل وبيع الأوهام لمن ما يزال يشتري.

 

الكذبة الأميركية التي يرويها بلينكن اليوم أمام مجلس الأمن عن تعاطف بلاده مع أوضاع السوريين المتعبين بأوضاعهم المعيشية وعن المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح تذكرنا بأشهر كذبة ساقها سلفه كولن باول على المنصة ذاتها والمقعد حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، والتي تسببت بحرب قتلت عشرات الآلاف من العراقيين وشردت الملايين وأدخلت العراق في نفق لم يخرج منه بعد.

 

الكذب الأميركي على منصة مجلس الأمن الدولي يستحق أن يصنّف تحت بند أسلحة الدمار الشامل لأنه من العيار نفسه والآثار التدميرية نفسها على الشعوب، وكذبة بلينكن بالأمس لا تخرج عن هذا التصنيف لأنه يريد استمرار الأزمة الخانقة التي تعاني منها سورية ومفاقمتها لتقتل المزيد من السوريين أطفالاً ونساء وشيوخاً.

 

“عار علينا” .. قالها الوزير بلينكن وهي العبارة الوحيدة الصادقة في كلمته أمام جلسة مجلس الأمن، فكيف لا يكون عاراً على واشنطن ومعها بعض الدول الغربية أن تسرق قمح السوريين وتذرف الدموع على جوعهم، وكيف لا يكون عاراً عليها وهي تحاصرهم وتمنع عنهم الوقود وتتهم حكومتهم بعدم القدرة على تدفئتهم؟.

 

سأل بلينكن في كلمته عن السبيل الأمثل للحد من معاناة الشعب السوري .. ونحن نعطيه جواباً بسيطاً لا يكلف واشنطن سوى سحب جنودها المحتلين من الأراضي السورية ووقف دعمها الجماعات الانفصالية والإرهابية ورفع حصارها الإجرامي، وعندها سنثبت له ولغيره من مدعي التعاطف مع السوريين أن سورية وحكومتها قادرة على تضميد جراح أبنائها وتأمين غذائهم ودوائهم دون مساعدة من أحد.

2021-03-31