لا رحمة بالدول المستهترة بمستقبلها

بقلم: أحمد ضوا

يتسم التعاون الدولي حول المسائل الخطيرة التي تتفاعل على المستوى العالمي بالهشاشة وعدم الفاعلية في تلافي الأخطار التي تنجم عن انفلات أي وضع تتجاوز تأثيراته حدود الدول والأقاليم، فالصراع الدولي حول المصالح على أشده بين الدول الكبرى فيما تسعى غالبية دول العالم لتفادي أضرار وعواقب ذلك يضاف إليها النتائج السلبية لتفشي فيروس كورونا والتحديات الكبيرة التي أفرزها على المستويين الاقتصادي والصحي.

 

في أول اختبار وبائي سقطت الولايات المتحدة التي كرست نفسها رائدة على مستوى العالم في الامتحان الإنساني والصحي وبدلاً من أن تمد يدها وتقود التعاون الدولي لمواجهة الوباء ساهمت بسياساتها الانتهازية ومحاولاتها لتسييس الوباء لاستهداف الصين في إضعاف هذا التعاون وجعله في الحدود الدنيا والشيء ذاته كررته في مسألة التجاوب مع اللقاحات حيث حاولت التقليل من شأن اللقاحات الروسية والصينية ومارست الضغوط الكبيرة لمنع الدول الغربية من إنتاج هذه اللقاحات الأمر الذي جعل الحصول عليها من قبل الدول النامية والفقيرة غير ممكنٍ، وبالتالي استمرار الوباء بحصد أروح العشرات من المصابين.

 

تختلف اهتمامات الولايات المتحدة بشكل كبير عن اهتمامات الغالبية العظمى من دول العالم وهذا يسهم في زيادة التناقضات الدولية ويفتح الطريق لمزيد من التوترات الاجتماعية والاقتصادية والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى الحروب والصراعات الدموية.

 

ترفع التكتلات الإقليمية المعروفة على الساحة الدولية مستوى التعاون المشترك فيما بينها للحد من أعراض السياسة الأميركية ويتخلف العرب الذين تجمعهم عدة تكتلات عن مواكبة ذلك فلا مبادرات ولا تراجعات والانتظار سيد الموقف ويخطئ من يعتقد أن طرح السعودية لمبادرة وقف الحرب في اليمن هي ذاتية بل تعود إلى الموقف الأميركي الذي يرى أن إيقاف هذه الحرب تصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي.

 

قد يرى البعض أن الحديث عن إحياء التعاون العربي هو ضرب من الجنون و ينم عن عدم إدراك للواقع العربي المزري والسؤال هنا في ضوء انسداد الأفق على المستوى الدولي: ما الحل؟ هل هو في انتظار ما سيسفر عنه الحوار الصيني الأميركي في ضوء وصول الحوار الروسي الأميركي إلى الحائط المسدود بفعل الهجوم الأميركي المتواصل على كل الجبهات على روسيا؟، بالتأكيد لا لأن الخلافات بين بكين وواشنطن عميقة وهذا يستدعي وقتاً طويلاً من المفاوضات بين الطرفين ولا يوجد أي ضمانة أن تنعكس نتائجه إيجاباً على الواقع العربي.

 

إن تعزيز التعاون الثنائي بين الدول العربية المتجاورة من شأنه أن يسهم في عودة الدماء إلى التعاون العربي بشكل أشمل ويمكن لهذا التعاون أن يجنب العديد من الدول العربية البحث عن خيارات معقدة وغير مضمونة ويسجل للحكومتين السورية واللبنانية التعاون في المجال الوبائي وتأمين احتياجات لبنان من الأوكسجين رغم الظروف المعقدة التي تحيط بعلاقات البلدين جراء الواقع السياسي المأزوم في لبنان.

 

المثال السوري اللبناني للتعاون الثنائي يمكن أن يشمل الدول العربية الأخرى المجاورة إذا توفرت الإرادة لدى الحكومات ويمكن أن يحصل نوع من التكامل على المستوى الوبائي بما يكفل الحد من الأضرار الاقتصادية والصحية ويمكن أن يكون هذا التعاون محفزاً للدول الأخرى للحذو حذوه بعيداً عن الخلافات السياسية التي في معظمها ذات منشأ خارجي.

 

إن الدول العربية في ظل الواقع الدولي المأزوم أمام امتحان عصيب وعلى حكوماتها أن تتعالى على الجراح والخلافات البينية وتعيد التعاون بينها وتتفاوض لحل الخلافات بالسبل السياسية والمبادرة لتنسيق المواقف في عالم يتشكل من جديد لن يرحم الدول المستهترة بمستقبلها.

 

2021-03-27