في منطقة الجزماتية بحي الميدان الدمشقي يقف الزائر إلى المكان أمام مشروع تنموي إنساني حمل اسم “بيت الشرق للتراث”.. أحد مشروعات جمعية “الوفاء” التنموية السورية ليكون هذا البيت التاريخي حاضنة لحرف وحرفيين تعرضت ورشاتهم للتدمير خلال سنوات الحرب الإرهابية على سورية.

ويعود تاريخ البيت إلى نهاية العصر المملوكي وكان مهدداً بالانهيار ليعمل القائمون في الجمعية على ترميمه عام 2018 فغدا مركزا لتدريب الحرف والتعريف بأهمية التراث الوطني ووسيلة لكسب عيش كريم للحرفيين وتطوير إمكانيات الوافدين الجدد لهذه المهن من خلال بناء منظومة تعليمية عملية تصب في مجال التنمية المستدامة.

وتتوزع الحرف المحتضنة في بيت الشرق للتراث على قاعات هي الموزاييك الخشبي والصدف والفسيفساء الحجري والرخام والحفر والنقش بكل أصنافه والخيط العربي والمقرنصات والزجاج المعشق والدهان الدمشقي والخط العربي والبروكار والسجاد اليدوي.

جمعية “الوفاء” الأهلية توجهت للعمل التنموي منذ عام 2014 إيمانا منها بخلق بيئة مستدامة للفئات المستهدفة وأكدت مديرة الجمعية رمال صالح في تصريح لـ سانا أن “بيت الشرق” حقق هدفه الأول من خلال إيجاد مكان لأصحاب المهن ممن دمرت ورشاتهم في ريف دمشق بفعل الإرهاب لتنتقل الآن إلى تنفيذ الهدف الثاني عبر تعليم الراغبين بامتهان هذه الحرف حفاظا عليها من الاندثار وبناء التشاركية مع المؤسسات المعنية وتحويل المشروع إلى أكاديمية لتعليم التراث السوري.

ولفتت صالح إلى أن الهدف الثالث يركز على دمج الحرفة والعلم بتأسيس مكتبة تراثية للمتخصصين والباحثين في التراث السوري معتبرة أن مقومات العمل في المجال التنموي تقوم على حب الوطن والانتماء له والإيمان بما فيه من قدرات واحتضانها.

الموزاييك الدمشقي يحكي قصة مهنة زينت بيوت دمشق التي تعتمد بشكل أساسي بحسب الحرفي زكريا صافي على تشريح الخشب لـ سماكات دقيقة وتطعيمه وتحويله إلى أشكال فنية وهندسية دقيقة تدخل في صناعتها جميع أنواع أخشاب الجوز والكينا والليمون والورد الدمشقي والزان والمشمش والزيتون وغيرها مؤكدا أن هدف الحرفيين الحفاظ على المهنة وتعليمها للشباب القادرين على ممارستها.

أما الفن العريق “الفسيفساء الحجري السوري” فيعود لأكثر من ثلاثة آلاف عام ويتمتع بتقنية عالية في تصنيعه وغنى الموضوعات التي يجسدها إضافة إلى ارتباطه بالعمارة والزخرفة وتجلى ذلك على الجدران والأرضيات في القصور ودور العبادة التي تزخر سورية بها.

ولفتت الحرفية وفاء حسن التي تمتهن هذا الحرفة منذ 23 عاما إلى الدقة التي تتطلبها والذوق الرفيع في تنفيذها واستخدام معدات وأدوات خاصة في قص الرخام الحجري الطبيعي مؤكدة استعدادها تعليم الحرفة للمهتمين إيمانا منها بالحفاظ على المهن التراثية من الاندثار.

النقش على الخشب والحفر وتطعيمه بالصدف واحدة من الحرف السورية التي عبرت الحدود وذاع صيتها وتحتاج بحسب الحرفي محمد سعيد كريمو إلى الصبر والبراعة والنظرة الفنية مستعرضا مراحل إنتاج القطعة من رسم ونقش وأنواع الزخارف المستخدمة فيها من “الأندلسي والفاطمي والعربي” مؤكدا أن الهدف الحالي الذي يسعى إليه هو تعليم أبناء الشهداء “لرد الجميل لمن صان سورية وكرامتها”.

الخيط العربي والمقرنصات نتاج مدرسة تطورت على يد الحرفي السوري وتتمثل في أن يمر خيط مستقيم من الخشب بانكسارات وتداخلات ليشكل في محتواه أشكالا هندسية متقنة واستعرض الحرفي ماهر الشامي أنواع المقرنصات والأخشاب المستخدمة فيه وخاصة “خشب الرومي” وآلية صناعتها والتي تتزين بها زوايا البيوت الدمشقية داعيا الشباب إلى تعلم هذه الحرف السورية العريقة.

الزخرفة والرسم أساس العمل في حرفة “الدهان الدمشقي” ومنها “العروق النباتية والأشكال الهندسية” وتزين الأخشاب “بالكتابة الشعرية والأمثال والحكم والآيات القرآنية” حيث سخرت الألوان لصالحها ويوضح الحرفي ماهر بوظو أن الحرفة خاصة بمدينة دمشق وتعود إلى 1400 عام كنوع من الزخرفة البارزة على الخشب المطلي بمعجون نافر ملون بألوان مختلفة تزين الجدران والأسقف في القاعات وتدهن بأصباغ متعددة من أصل نباتي أو ترابي مستعرضا مراحل العمل فيها من “التصميم والنجارة والأساس والمعجونة والطبعات ورسم الزخرفات والرسم النباتي والتلوين والتذهيب والتزيين”.

ولفت بوظو إلى أنه من خلال بيت الشرق استطاع العودة للعمل لتاتي مهمته في الحفاظ على التراث لتأهيل حرفيين جدد ولا سيما أن الحرب التي تعرضت لها سورية تسببت بتراجع عدد اليد الحرفية العاملة والواجب اليوم تعليم أبناء من ضحى ليبقى الوطن حرا سيدا.

ويحتضن “بيت الشرق للتراث” اليوم في أحد أركانه الجميلة شابة من ذوي الإعاقة فالفنانة سمر عباسي رغم فقدها لحاستي النطق والسمع تحدت ظرفها بإحساسها واتقانها الرسم لتبدع بالريشة واللون أجمل اللوحات حيث أشار بوظو إلى ما تمتلكه عباسي من إمكانيات كبيرة في العمل محاولا من خلال العمل معها إدخال لوحات عن تراث سورية ضمن الزخارف والدهان الدمشقي.

وتعمل عباسي الآن على رسم لوحة عن الجامع الأموي مستخدمة ألوان الاكرليك مركزة فيها على أدق تفاصيل العمل.