(الموسيقى العربية وتغييب الدور والرسالة)

 

يكاد ينحصر دور الموسيقى العربية اليوم، في التسلية ومزجاة الوقت ليس إلا. وهذا يطرح تساؤلات مريرة قد لانجد الإجابة عليها، في غياب وتغييب البعُد الرسالي العظيم الذي اكتنف هذا الفن، منذ نوتته الابداعية الأولى، حين ابدعت الذهنية الموسيقية العربية القديمة. مسارات وقواعد وأصول، للكتابة والممارسة، انطلاقا من تكريس هذا الدور والبعد التربوي والاخلاقي الذي لابد من تجذيره في الحياة الموسيقية، وإلا أصبح هذا الفن كما هو اليوم، كمخدر مدعاة للهو والتسلية العابرة.
-وعلى الرغم من المتغيرات التي حدثت لهذا الفن عبر التاريخ، نتيجة ظروف سياسية واجتماعية معلومة، إلا أن هذا المسار الاخلاقي لازم منتوج الموسيقى العربية، من دون ان يعني ذلك تكرار المقولات الماضوية ذوقياً وجماليا، في تأثير مهم. من بحوث الفلسفة القديمة، كما من ارتحالات الموسيقي العربي القديم، نحو كل مايثري مساره الابداعي المائز، كما نرى في سفره المديد. في الحضارات المتعاقبة، من رومية وبيزنطية واغريقية وفارسية، وغيرها، في مسعى دؤوب، لتخصيب نظامه الموسيقي المتفرد، الذي كان يمتلك سمات وتقاليد ابداعية خاصة جدا، وهو في سفره وارتحاله نحو هذه الحضارات التي سكنت الأرض العربية نتيجة الفتح الاسلامي، أو جاورتها، كان يمتلك كل الأدوات لمقارعة الآخر المختلف من منطلق إثبات الذات والشخصية الثقافية والهوية الموسيقية الوطنية، لا كمايفعل الأبناء اليوم.من تبعية وانقياد أعمى نحو هذا الآخر. من منطلق دوني عقيم،لم يثمر إلا نتاجات كئيبة وبائسة الى حد الموات، وهذا الانقياد والتبعية المريضة، له دلالات جد عميقة. عن انسلاخ هذا الموسيقي المعاصر عن تاريخه وهويته وميراثه الروحي العظيم، الذي مع كل الأسف، لايعلم عنه أي شيء يذكر، ولهذا تراه يقتات على موائد العولمة الفاخرة. التي تجعله عبداً ذليلاً، وتابعاً مخدّرا، لمسارات هذه المنظومة المتأمركة، التي تريد أمركة العالم عبر ماتملك وتتملك من اقتصاد مرعب، واعلام أخطبوطي، يحتل المشهد العالمي، المحاط بسارقي الوعي والعقول، الذي يهمش ويغيب الدور والبعُد الرسالي العظيم للفنون عبر وسائل وإغراءات، لاحصر لها، هي سليلة حركات " الدادا" التي انتشرت في العالم، وطالت أغلب الفنون فيه. حيث حركات تدمير الموسيقى، ونسف القواعد والأصول الراسخة، وهدم البناء الموسيقي القديم، كردة فعل عنيفة، على أزمات المجتمعات المعاصرة، التي أصابت الانسان في مقتل، وجعلته أسيراً للمادة وكل ماهو مادي رخيص، وهذا يفسر تماما انتشار متاحف القبح الموسيقية المتنقلة في العالم ككل، وليست موسيقانا العربية استثناءاً هنا. والنتيجة المتوخاة من تغييب هذا الدور، هو كل هذا الخراب والعتم الموسيقي الممتد، الذي يلف المشهد الموسيقي اليوم، خاصة مع غياب التربية الجمالية الذوقية، عن المكانات الأكاديمية والاعلامية، بما فسح المجال واسعا وعريضا، لدخول مهرجين ودجالين وأدعياء مجال هذا الفن الانساني النبيل، الذي كان لايقاربه، إلا كل ذو حظ عظيم، من الموهبة والمعرفة والحس الذوقي السليم، ويبقى السؤال حاضرا هنا :لماذا يتحكم المال الفاسد المفسد في مقدرات هذا الفن النبيل، انتاجا ونشرا واعلاما، في حين تغيب المشاريع الثقافية التنويرية عن الحياة الموسيقية العربية المعاصرة، هو تساؤل قد لانجد الإجابة عليه في الوقت الحاضر، لأن مقولة من يدفع للزمار يفرض اللحن الذي يريد لاتزال حاضرة وبقوة. مع أن ليس لها أي مغزى ثقافي أو فكري على الإطلاق.

2019-02-11