باختصار: السلام يكشف طبيعة الحرب

وزارة الإعلام

 

زهير ماجد

ذات عام من ستينات القرن الماضي حين قام الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في زيارة إلى الاتحاد السوفيتي، وفي آخر الجولة التي قام بها جاء من يطلب منه تقييما، فرد على الفور “إذا أردت السلام فعليك أن تستعد للحرب”. كان كلامه قنبلة، لكنها الحقيقة التي أرخت كل الحروب، ولأننا نحن العرب واقعون في صلب حروب أيضا وهي من النوع الوجودي، فعلينا أن نفهم أن السلام الذي نبحث عنه، تحمله الحرب إلينا، أو هو في الحقيقة سيكون بناء على حروب.


لكن السلام صعب ومعقد وخصوصا عندما تتكاثر التدخلات، فيصبح لكل فريق فيها رأيه وجزء من الكعكة التي سيأكلها ولن يتنازل عنها البتة. هنا تكمن الصعوبة، كيف نؤمن لكل متدخل فرصة عمره من نتائج الحرب، وماذا سيبقى للمعتدى عليه في نهاية المطاف؟ وكيف سيجد نفسه أمام أنياب يقطر لعابها من دسامة الوجبة التي تنتظرها؟


حين سنبحث عن السلام في سوريا، وهو ما خضع لتجارب ثبت أنها غير ناجحة حتى الآن، إلا أنها تزيد من كشف اللثام عن القوى المرتبطة تماما فيها، بل ينكشف لنا طبيعة الحرب في آخر خلاصاتها، وقد قرأت قريبا جدا، أن الاتجاه السائد عند أكبر وأهم المتدخلين بالحرب على سوريا يريد أولا قتال “داعش” وثانيا الاستقرار في سوريا، وثالثا طبيعة النظام القائم. هذه المحددات مهمة في معرفة الرأي المفصل لها والذي يعمل عليه. ليس هنالك من قوة سياسية تدخل الحرب بلا سبب، لا أحد يقاتل من أجل مجهول، لا بد وبجزم أن تدعو الأسباب هذا البلد أو ذاك للانخراط في معارك أو لتمويل الحرب.


لا شك أن الرئيس الأسد يعرف هذه النقاط التفاصيل معرفة تامة، سواء من جهة المنخرطين إلى جانبه، أو ضده .. صحيح أن هنالك ظهورا لخصومة شخصية معه، وهذا ضروري، يجب أن يكون هنالك لدى الأخصام أسباب مباشرة ومعلنة وواضحة كي تكون السبب المقنع في مواقفهم.

ثم إن هنالك ملفات مرة تظهر ومرة تخبو، لكنها لا تختفي مطلقا. لكل مرحلة ملفاتها، سواء تكررت أو لم تتكرر .. مرة يكون التقسيم سيد الكلام المردد والمتكرر، ثم يختفي عن المشهد الإعلامي، لا شك أن هنالك جوقة إعلامية ترتبط بعقل يديرها، وهو أساسي في الإدارة السياسية للقضايا والأمور والمصالح، وهي من ترسم عنوان المرحلة بل عناوينها التي يجب أن تتكرر. تلك هي جزء من الحرب الناعمة التي تقود أفكار الناس وتبدلها، مع أن الناس تنسى أحيانا ما كانت عليه وجبة غذائها عند المساء، فكيف لها أن تتذكر متابعة شؤون حرب متحركة ليس لهم فيها أية قرارات سوى أنهم شهود بسطاء.


جملة سارتر التي قالها في موسكو تصلح للدلالة على أية جهة وخصوصا من يصنعون الحرب. إنها أشبه بصرخة وهو الذي عايش الحرب العالمية الثانية، بل كان شاهدا على أحداث كثيرة باعتباره كان قريبا منها، وكتب الكثير حولها بل أصدر مطبوعات تخصها مع رفيقه الكاتب ألبير كامي الذي كان له رأيه المشابه لرأي سارتر وأبرزه “أن الحوار في العالم يتم بالساطور”.

2017-04-20