آخر اهتمامات السوريين

بقلم: أحمد ضوا

وسط تكهنات بعدم كسر الجمود تعقد لجنة مناقشة الدستور اجتماعاً جديداً لها في جنيف مطلع الشهر القادم استبقه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسن بسلسلة زيارات إلى عواصم إقليمية ودولية باتت تقليدية من حيث الشكل والمضمون.

 

لا يهتم الشعب السوري باجتماعات هذه اللجنة ويعتبرها الكثيرون لا طائل منها، لأن الدول التي شنت الحرب على بلاده لازالت تحاول تحقيق أهدافها تحت جناح اللجنة، وعبر مسارات أخرى في مقدمتها استمرار الاحتلالين الأميركي والتركي في شرق وشمال سورية.

 

في مقابلة مع وكالة روسيا سيغودنيا في الثامن من الشهر الماضي تحدث الرئيس بشار الأسد بشفافية وتوصيف دقيق عن محادثات اللجنة في جنيف ونطق بلسان الغالبية العظمى من السوريين بقوله "إن مفاوضات جنيف هي عبارة عن لعبة سياسية، وهي ليست ما يركز عليه عموم السوريين" منطلقاً من إصرار أعداء الشعب السوري على التدخل في تحديد مستقبل بلاده وقناعة راسخة بأن من يريد الاستقرار والخير والسلام لسورية لا يمكن أن يواصل عدوانه عليها، ويفرض العقوبات الاقتصادية على شعبها لتجويعه والضغط عليه.

 

من المعلوم أن كل دساتير العالم تنص على وحدة وسيادة الدول، وفي الدستور السوري الساري المفعول تنص مادته الأولى على أن ((الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربي)).

 

إن كل القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن خلال هذه الحرب، ومنها القرار 2254 أكدت على وحدة وسيادة سورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن تكون العملية السياسية بقيادة سورية، ولكن الدول الأعضاء في هذا المجلس والراعية للإرهاب، والمصادقة على هذه القرارات، وفي مقدمتها النظامان الأميركي والتركي يدعوان إلى تحقيق التقدم في العملية السياسية، ويرفضان في الوقت نفسه سحب قواتهما المحتلة لأراض سورية.

 

تاريخياً لم تحقق الدساتير التي وضعت لعدد من الدول تحت شروط غير طبيعية الاستقرار والأمان لشعوبها، والمثال الحي على ذلك الحالتان العراقية والأفغانية، فبعد نحو عقدين من الزمن لا يزال البلدان يعانيان من عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي في ضوء هذه التجربة الحية لا جدوى من محادثات لجنة مناقشة الدستور في جنيف في ظل الانتهاك الصارخ للسيادة السورية من قبل رعاة الإرهاب ومحاولتهم التأثير على مجرياتها عبر أدواتهم فيها.

 

يتحرك مبعوث الأمم المتحدة بيدرسن في الحيز المتاح له من قبل الولايات المتحدة وحلفائها والذي يضمن لهم التأثير المباشر على مفاوضات اللجنة مع ارتهان "الوفد الأخر" لإرادتها وهو ما ترفضه الحكومة السورية بشكل مطلق، وبالتالي ستبقى اللجنة أسيرة هذا الواقع إلى أن تفقد واشنطن وأدواتها الأمل بجدوى الضغوط التي تمارسها، وعندها لن يكون مغزى للجنة وسيكون وضع الدستور سورياً بامتياز.

 

قد يسأل الكثيرون عن الجدوى من مشاركة الوفد المدعوم من الحكومة السورية في هذه المفاوضات ما دامت تشكل آخر اهتمامات الشعب السوري ولا طائل منها والجواب: إن ذلك يأتي في إطار تعهدات سورية الالتزام بالتفاعل مع المبادرات الدولية من الحلفاء والأمم المتحدة إضافة إلى سد الذرائع وأهمية المشاركة في الوقوف على آخر محاولات الأعداء للنفوذ إلى العملية السياسية.

 

تعقد هذه الجولة في وقت مستقطع وظروف دولية تحمل الكثير من التناقضات، وكان الأولى بمبعوث الأمم المتحدة أن يعمل لتنحية مسببات المراوحة في المكان، وفي مقدمتها انسحاب المحتلين والتوقف عن تدخلهم في الشأن السوري بدلا من الاستمرار في اللعبة واجترار مفاوضات عقيمة.

2020-11-29