أعمال البيئة الشامية مسار درامي جديد لرسم المعالم الحقيقية لمدينة دمشق

 

اختلاف واضح في مضامين أعمال البيئة الشامية وطروحاتها قدمت هذا العام خلال الموسم الرمضاني لعام 2019، إذ شهدت هذه الأعمال منافسة بشكل جديد وتوسعاً في موضوع المنافسة ولكن لم يكن هناك توسع في رفع سقف المنافسة بينها، بمعنى أن المتابعة الجماهيرية توجهت نحو الأعمال التي تقارب واقع المواطن السوري ومن خلال المواضيع التي تلامس واقع الحرب، وخاصة مع تعدد الخيارات الفنية للمشاهد مثل الأعمال الكوميدية والاجتماعية والتاريخية أو حتى دراما البيئة الشامية التي باتت حديث الناس من خلال موضوع الحكاية أو الشخوص المقدمة عبرها أو دور نجم معين في رفع عمل من هذه الأعمال.
مسألتان فقط
ولطالما ركزت دراما البيئة الشامية في بنية الحكاية الدرامية على مسألتين أولاهما الحديث عن المجتمع الدمشقي إن كان في فترة الاحتلال العثماني أو الاحتلال الفرنسي والثانية الحديث عن بطولات الدمشقيين بمواجهة الاحتلال عبر مجموعة من النواظم المعينة والشخصيات منها «العكيد» و«الزعيم» و«الداية» و«المتنفذ»، إضافة لموضوع تعدد الزوجات والحكايا النسائية في العمل؛ فهل أصبحت مسلسلات البيئة الشامية «طقطوقات» شعبية للتسلية؟
باقة من المسلسلات تم عرضها من الأعمال الشامية منها «عطر الشام 4» «باب الحارة10» «شوارع الشام العتيقة» و«سلاسل دهب»، وبدت هذه الأعمال تشبه بشكل أو بآخر ما أنتج خلال عشرين أو ثلاثين سنة ماضية، انطلقت من «أيام شامية» وامتدت لـ«الخوالي» و«ليالي الصالحية» واستمرت مع «باب الحارة» وما أنتج بنفس الفترة معها من أعمال شامية، قد يكون المختلف في هذه الأعمال هو الحكاية التي يبحث من خلالها الكاتب عن جرعة عالية من التشويق والإثارة من خلال مجموعة الشخصيات التي لها وقعها عند المشاهد، والتي يراهن صناع العمل على نجاحه بوجودهم، ورغم تشابه شخوصه إلا أنها بدت نوعاً من الشفاعة لإنقاذ العمل بوجود هذه الأسماء الكبيرة.
«سلاسل دهب»
ففي مسلسل «سلاسل دهب» للكاتب سيف رضا حامد والمخرج إياد نحاس راهن صناعه على نجاحه بوجود الفنان بسام كوسا فيه باسمه الكبير وبثقله الفني وحضوره الدرامي، وخاصة بعد النجاحات المتتالية التي حققها عبر الشخصيات التي قدمها خلال مشواره الفني من شخصية نصار في الخوالي مروراً بالمخرز في ليالي الصالحية والايدعشري في باب الحارة وصولاً لشخصية مهيوب، إضافة إلى مجموعة الأسماء الكبيرة المشاركة التي تشكّل روافع للعمل البيئي الشامي، حيث استطاع مهيوب بحيله وذكائه إيقاع النساء في شباكه من خلال التقرّب منهن بدراسة العمق النفسي لحاجة كل واحدة منهن، فيتزوجهن ليجد طريقة لسلب أملاكهن بأساليب مشوقة وصادمة ومن ثم يطلّقهن ،لتتصدى له بدهائها دهب التي لعبت دورها بإتقان الفنانة كاريس بشار والتي حصدت إعجاب المشاهدين بأنوثتها ودلعها وغنجها ومشيتها، رغم الخطأ الإخراجي الفادح الذي كشف عن الـ«تاتو» المرسوم على يدها.
انعطافة جديدة
وهذا العام ورغم الموقف المسبق من بعض الأعمال التي تطورت أجزاؤها وتشعبت حكاياها كمسلسل باب الحارة إلا أننا فوجئنا بالتحول الجديد فيه في الجزء العاشر منه وهو ما ذهب إليه بعض النقاد في الحكم المسبق على هذه النوعية من الأعمال نتيجة تشابه موضوعاتها وطروحاتها والقالب البصري الذي تقدم فيه، فقد استطاع مسلسل باب الحارة بـ«حدودته» الجديدة أن يصحح مسار أعمال البيئة الشامية بالتوازي مع ما حققه العمل من رواج وجماهيرية كبيرة في الوطن العربي واستثمار ذلك لمصلحة تقديم الصورة الحقيقية لمدينة دمشق الحضارة والفكر والمعرفة، وتابعنا الخروج عن النمطية التي أتحفنا بها على امتداد أجزائه فباتت المرأة أكثر نضجاً بالأفكار المطروحة وخلعت الملاءة لتشارك الرجل في ميدان العمل، وأظهر المرأة المثقفة وابتعد عن مفردات «الشخت عالبلوعة وحاضر وأمرك ابن عمي وحالة الرعب التي تعيشها »، وأظهر ندية المرأة في تعاطيها مع الرجل كعنصر فاعل في البناء الحكائي الدرامي للحكاية المطروقة، وانتزع عبر هذا الجزء الصورة السلبية التي عززتها الأجزاء السابقة، رغم أن المرأة السورية كانت تؤسس لمرحلة وعي متقدم في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي في مجالات الصحافة والإعلام والفنون الأخرى.
وعاد النجم رشيد عساف بشخصية «أبو عرب» في مسلسل «شوارع الشام العتيقة» ليقدم قيم الشهامة والرجولة في المجتمع الدمشقي، وليخرج عن تشابه الشخصيتين اللتين قدمهما في مسلسلي «عطر الشام» و«طوق البنات» واللافت في هذا العمل هو وقوف المرأة إلى جانب الرجل في مختلف المجالات الاجتماعية، وإظهار الجانب التوعوي التنويري والثقافي للمرأة وهو ما تابعناه في الجزء الرابع من مسلسل «عطر الشام» من خلال البيئة البدوية الجديدة التي أدخلها كاتب العمل والتأكيد على موضوع تعليم المرأة واعتبارها جزءاً فاعلاً في المجتمع.
مشكلة المشاكل
وتبقى مشكلة هذه الأعمال أنها لم توثق، بل بنت حكاية فانتازية قوامها استحضار المكان الدمشقي وشخوصه وحاكت خيوطاً لروايات مفترضة لا تستند فيها لزمن معين يشابه في فصوله حكايا الجدات والحوادث التي كانت موجودة في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي، ولم تبنَ الحكايا بصلب الحدث بل مرت مرور الكرام عليها، وهي عجزت عن استحضار المجتمع الدمشقي الذي كان في تلك الفترات بل قدمت قصصاً مجتزأة من مرحلة تاريخية معينة ومن مكان معين فمثلاً عبر «باب الحارة» انتقلت الحوادث الدرامية من حارة الضبع إلى حارة الصالحية وحلّ الديكور بطلاً من أبطال الحكاية والمكان هو مسألة مهمة فمن الصعب بناء مدينة افتراضية تحمل كماً من القيم التراثية والتاريخية والجمالية لتقديم عمل يشبه الذاكرة في أعمال البيئة الشامية، وهي نقطة تسجل لمصلحة المخرج زهير رجب الذي استطاع تحقيق حالة من الرؤية البصرية المختلفة عبر بناء بعض الحارات الدمشقية المخصصة لعمليات التصوير، وأسهم تنقل الكاميرا وحركتها في إبراز جماليات المكان من خلال التقنيات الحديثة، ما ساعد بشكل ما على إغناء الرؤية البصرية وتحقيق المتعة والإقناع للمشاهد الذي ينتظر من الدراما أن تقدم له حالة من التشويق وحالة من الوقوف على الصراع بين الخير والشر برؤية بصرية أو بحكاية قد تكون بسيطة قريبة من ذهنه وروحه.

2019-06-15