اللعب بالنار..!!


بقلم.. علي قاسم

لم يكد الرئيس ترامب يلفظ مصطلح ما يسمى المنطقة الآمنة، حتى هرع رئيس النظام التركي إلى البناء عليه والإضافة من حوله، وبات الشغل الشاغل الذي يلهث وراءه النظام التركي، من دون أن يتردد في تجيير كل المواقف للحديث عنه، بعد أن كان الحلم الذي طالما بنى عليه الكثير من الأوهام.

فقد سبق لهذا النظام ورئيسه أن طرح هذا المصطلح أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يصاب بالخيبة لاستحالة التنفيذ تارة، وللتباين الحاد في الأهداف والغايات التي كانت تحكم مروجي الفكرة تارة أخرى، ولمحدودية القدرة على الاستثمار بنتائجه في ثالثة.

اللافت أن يأتي الطرح بعد سجال أميركي تركي كاد يوصل العلاقة بين البلدين إلى ما لا يمكن التكهن بنتائجه، ولا يزال يعتقد البعض أن السجال لن ينتهي باتصال هاتفي، والدليل على ذلك التعليقات التركية اللاحقة على الموقف الأميركي.

والغريب في الأمر أن الطرح جاء على لسان الرئيس ترامب كمخرج لتأمين مرتزقته الذين يسابقون النظام التركي للمبازرة السياسية، ويتشاركون معه تجارة الوهم وبيع الأحلام الكاذبة.

والأغرب أن تكون في المحصلة النهائية محاكاة لسيناريو الهروب من مواجهة الحقيقة، وربما من الأزمة التي وجد الشريكان الأميركي والتركي نفسيهما وسط دوامة، البقاء فيها سيكون أصعب من الخروج منها، ولا طريق من دون خسائر سياسية على المستوى الاستراتيجي، لا يستطيع كلا الطرفين تحمل التبعات التي يمكن أن تترتب عليها.

النظام التركي ذهب بعيداً إلى حد أنه فوّض نفسه بإقامة المنطقة المزعومة، وادعى لنفسه غير ما تم الحديث به، وسارع إلى طلب اللقاء مع الرئيس بوتين بزعم مناقشة القضية معه والاتفاق على التفاصيل، بعد أن سارع إلى رسم تسريبات افتراضية لمساحتها وعدد المدن والبلدات التي ستشملها والطريقة التي ستتم بها.

وفي محاولة مكشوفة للإيحاء بأن أمر التفويض الأميركي قد بات في يده، والأدهى أنه مكلف للتفاوض مع الروسي حوله، من دون أن يتردد في الإضافة هنا وهناك، وقد سبق أن الكثير من اللقاءات التي طمح إليها التركي بقيت مجرد أحلام يقظة، وبعضها كان محض افتراض لم يشاطره أحد فيه، ولم يقبله أحد.

وبلغة الافتراض ذاتها يحاول النظام التركي أن يؤسس لحالة غير مسبوقة وغير معهودة، وتفتقد لأدنى شروط القدرة على تحققها، وتعاني مع عدمية مطلقة بكل الاعتبارات، وتبدو خارجة على المألوف كما هي خارجة على أي شرعية وكل قانون، ولا تمتلك في رصيدها السياسي الحد الأدنى من إمكانية التطبيق.

ويبقى الأخطر أنه يراهن بكل أوراقه ويزج بها في مستنقع الافتراض، ويعوّل على الأميركي في تسويق ما يصعّب المهمة عليه، وهو الذي عجز طوال سنوات وجوده الاحتلالي عن تنفيذ تلك المنطقة المزعومة، ليغرق مرتزقته في المزيد من الاستطالات المرضية.

اللعب التركي بالنار لم يتوقف، ولا تؤشر المعطيات الحسية المباشرة وغير المباشرة إلى أنه في طور الانكفاء عن العبث، ويجاريه المرتزقة اللعب على حافة الهاوية في منطقة قابلة للانزلاق نحو المجهول، وفي مكونات سياسية وجغرافية وعسكرية لا تحتمل التجريب العبثي والتلويح بالأصابع المحترقة وإعادة توزيع بقايا رماد ما مرَّ من خيبات للوكلاء والأصلاء.. للمرتزقة والأدوات.. للواهمين منهم والمتورمين!!

 

2019-01-17