علماء غربيون : الانترنت أكبر تجربة فوضوية في العالم

 

هاقد جاء الزمن الذي تمناه الكثيرون, ممن كان العمل الصعب والقاسي يأكل ايامهم, ويحفر خدود الألم في شرايينهم, ويترك بصماته على الوجوه,
تمنوا أن يستريح الإنسان من عناء الكثير من الأشياء, أن يجد من يفكر عنه, وينفذ, من يأخذ الكثير من القرارات عنه, ها قد جاء هذا الزمن اليوم, نراه، نعيشه كل ثانية فيه تعني أننا خارج الفعل الحقيقي,‏
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه, لو كان هؤلاء الذين تمنوا أن يعيشوا هذا الزمن, لو كانوا أحياء ورأوا هذا الواقع الذي يعني المسخ والاستلاب, هل يرضون به؟؟‏

هل يرضون أن يقف أمامهم من يصرخ: لا تفكر، نحن نفكر عنك, لا تبحث عن سوق أو متجر, نحن ندلك عليه, لا تستعد ذكرياتك نحن نعيدها لك, لا, لا تفعل هذا ولا ذاك كله نحن أعددناه لك, هل يرضون بهذا المسخ, بل ربما يطرحون السؤال الحقيقي: ما الذي يجعل هؤلاء يفكرون عنا, ولماذا وكيف, هل هم مؤسسات خيرية, توزع مالها علينا, لابد أن يطرح السؤال: لماذا؟ مقابل ماذا؟‏

امبراطورية غوغل التي غدت الامبراطورية بحجم الكون, ما من بيت إلا ودخلته بشكل وآخر, لم تترك صغيرا أو كبيرا إلا وهي تفكر عنه, تتدخل بسلوكه وحياته, من المحمول, إلى كل التقنيات التي نستخدمها, غوغل موجودة هي أو مشتقاتها, صارت لون وجهك ودمك وحياتك ومستودع أسرارك, هذا, بل أكثر, هي ذاتها سوف تعطيك الجواب إذا ما سألت: ما الثمن الذي علينا أن ندفعه مقابل هذا كله؟‏

في الكتاب المهم جدا الذي حمل عنوان:ملف غوغل, تأليف: تورستن واولريشن نوفاك, وصدر عن سلسلة المعرفة الكويتية, ترجمه إلى العربية عدنان عباس علي, العام الماضي، ستجد الجواب واضحا جليا, بلا لبس ألا وهو:البيانات هي بترول العصر الحديث, نعم البيانات التي تقدمه أنت اسمك وعملك، مكان ولادتك, هوايتك, حزنك فرحك, كل ما تدونه على صفحات هذا العالم الأزرق, هو بياناتك, وهو ذو ثمن غال جدا, نعم, هو بترول العصر, ونهر لايتدفق, البيع مباشر أو غير مباشر, الكل معني بهذه البيانات من أجهزة المخابرات إلى معامل الأدوية, الى الشركات الصناعية, إلى المتاجر كله يريد هذه البيانات ليوظفها كما يحلو له, ولتكون أنت السلعة التي يعاد انتاجها كما كنت تريد, ولكنك مستلب بكل شيء.يقول المؤلفان: إن الحسنات الناجمة عن المعلومات والمنتجات الرقمية المكيفة مع احتياجاتنا الفردية, تفقد أهميتها حالما نفكر في ان البيانات التي ندلي بها يمكن أن تسهل مراقبتنا وأن تجعل منا أناسا شفافين كأننا من زجاج.‏

نعم لقد غيرت غوغل حياتنا, وغدونا أرقاما وصفحات عالم أزرق تضخ كل ما يخصها, وثمة من يتلقف ويعمل على هذا الأساس, هم من وراء البحار يقودون كل شيء, مربطون نحن بحبل الوهم المسمى حرية في فضاء الأزرق ونشتم ونسب, نشكر, نطبل نهلل, نروي نكتا وقصصا, نعبث بلغتنا, نهاجم هذا وذاك, نروي حكايات الألم والموت والعجز, ننبش تراثنا العفن في الكثير من جوانبه, ونتقاتل على بقايا تمرة, نتصارع طائفيا, نرسخ البعد بيننا, كله هنا على هذا العالم الأزرق, ونهر من البيانات يتدفق ليصب هناك حيث تتربص بنا دوائر صنع القرار, يتخذ ما يجب أن يتخذ, تحلل الشخصيات والمشاكل, وتعد الخطط للتنفيذ, ليس للعلاج أبدا, بل لضخ المزيد من الحطب على النار التي أشعلناها, لم يعد ثمة حاجة إلى الجواسيس لجمع المعطيات, نحن نقوم بذلك طوعا, لم يعد بحاجة لجيوش جرارة تأتي, نحن جنود الاحتراب الذاتي, لا حاجة للعطالة عن العمل ومنه, نحن نفعل ذلك.‏

فلو قام أحدنا باحتساب ما يقضيه وراء هذا الأزرق وما يضخه من بيانات ومعلومات لأصابه الدوار، هنا الاستلاب, وهنا الفعل الذي تظنه حقيقيا, ولكنك وقوده..قد يقول قائل: لكن غوغل وفر مليارات المعلومات, سهلها, نعم, هذا صحيح, ولكن لمن يعرف كيف يحصن قيمه وفكره وثقافته: مثلا حاول أن تبحث عن سورية اليوم في محرك البحث غوغل, ماذا ستجد, سأترك الأمر لك.‏

ضع على محرك البحث غوغل (مقاومة أو إرهاب) ماذا ستجد, هل تستطيع أن تترك طفلك وحده يخوض غمار البحث في هذا الفضاء الأزرق..‏

سؤال موجه للجميع في هذا الشرق البائس المقاد الكترونيا إلى حتفه, الجواب عندنا: نعم نتركه, ولكنهم حيث اخترعوا الانترنت يقولون بكل ثقة: إن الانترنت هو تجربة فوضوية عرفها العالم, ونضيف إلى ذلك أنهم يقولون لك ايضا: نعرف أين أنت بل بما تفكر, ونقودك إلى حيث تمضي, ولن تصدم إذا ما نقلنا عن مؤلفي الكتاب قولهم إن مؤسسي غوغل يتلقون الشكر الدائم من وكالة الأمن القومي الاميركي على ما يقدمونه من بيانات.‏

وسنضيف إلى ما تقدم خبر تلك الدراسة التي أعلن عنها في بريطانيا منذ عدة أيام ومفادها: أن مواليد ما بعد 1995 م مصابون بهشاشة العقل, لأنهم أبناء التقنية التي تفكر عنهم, والدول الحقيقية هي التي تنقذ أجيالها من الإصابة بهذه الهشاشة, فما بالكم بنا في هذا الشرق, ونحن قبل الهشاشة مجرد رمال وكائنات هلامية,فما العمل..؟‏

 

2018-11-19