نصف الفوز خسارة..!!

 بقلم : علي قاسم

لم تترك الانتخابات النصفية الأميركية مجالاً للشك بأن الصراع الداخلي المحتدم بين الأميركيين يعكس تأزماً غير مسبوق، وإن كانت النتائج في نهاية المطاف لم تحسم الجدل حول الدور الشخصي للرئيس ترامب وإدارته في هذا التأزم،
وهل كان الاستفتاء على تلك السياسة جاداً، أم مجرد دعاية إعلامية للمؤسسة الأميركية الحاكمة التي تقدم مقاربة مقلوبة في اختلافها واتفاقها، حيث الشعارات والعناوين التي تباينت إلى حد كبير أفرزت بالمقابل توافقاً على التفاصيل..حتى في شياطينها؟!.‏

الأدهى من ذلك أن عودة الديمقراطيين إلى تزعم مجلس النواب لا يترجم في الواقع العملي عقاباً لترامب على سياسته الخارجية كما ذهبت بعض التحليلات، حين فشل الديمقراطيون في السيطرة على مجلس الشيوخ، كما أنه لا يعكس النية في التغيير الحقيقي الذي يبقى تأثيره محدوداً أو محدداً على السياسات التي تخص الصراعات بين الحزبين أكثر مما هي تؤشر إلى انتهاج مقاربة مختلفة، حيث الاختلاف هنا لا يوصل إلى الرغبة في تغيير يحاول البعض الغمز من قناة انتظاره، خصوصاً المرتبط بالاستراتيجيات، وحدود المراجعة للسياسة الأميركية غرباً وشرقاً.‏

وبالمثل يبدو أن بقاء سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ يمثل حفظاً لماء الوجه الذي كانت تعوّل عليه إدارة ترامب لمواجهة الاتهامات التي واجهتها بخصوص شعبية الجمهوريين، حين لم يتمكن الديمقراطيون من قلب الطاولة كما كانوا يروجون في وجه ترامب، بل على العكس وجد أن الفرصة سانحة لهجوم معاكس لم يتأخر في إعلانه على خصومه داخل الجمهوريين قبل أن يكون على الديمقراطيين.‏

هذا لا يعني أن الخسارة المذلة للجمهوريين في بعض الولايات لم تكن مؤثرة وموجعة، بدليل أن النجاح الجزئي أو النصفي الذي حققه الديمقراطيون يمكن أن يشكل منصة لاستهداف ترامب وموقعه، الذي سيخضع لتجاذبات إعادة طرح العزل على خلفيات سياسية تخص الصراع بين الحزبين، ويفتح الباب على مصراعيه لتداعيات العلاقة المرتبكة التي ستخيّم على أجواء التعايش النصفي مع النتائج والتموضعات الجديدة، بينما كانت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب تتوعد بغد جديد مفاده أو مؤداه الأساسي التلويح بالصراع مع البيت الأبيض.‏

في الحصيلة القائمة للنتائج النهائية نحن أمام نصف نجاح ونصف خسارة، وهو ما يعني عملياً أن أميركا هي أميركا التي لا تتيح لأي من الحزبين التحكم حتى النهاية بسياستها، بدليل أن النخب الحاكمة من خارج أسوار البيت الأبيض ومن خارج محيط الكونغرس هي من يتحكم بمصير السياسة الأميركية أكثر من السلطات التنفيذية والتشريعية، وهي التي كانت تردد دائماً أن وجود الرئيس من هنا أو هناك يبقى مجرد تغيير شكلي لا يمس جوهر النظام الأساسي للطبقة المتحكمة في القرار الأميركي.‏

هذا ينسحب على الرئيس والمؤسسات معاً، ما يجزم بأن العلاقات الدولية ليست بوارد الانفراج الذي كانت تنشده موسكو وغيرها من دول العالم التي تابعت بكثير من الرجاء بارقة أمل لم تأتِ، حين أدركت أن تلك النتائج التي تجمع أنصاف الفوز والخسارة ليست نتائج تصلح للتعويل عليها، ولا هي مؤشر إيجابي يمكن البناء عليه في العلاقة مع أميركا وعلاقة أميركا مع الآخر، لأن الربح فيها يحسب للطبقة الأميركية ونخبها، والخسارة تصيب العالم أجمع..!!.‏

 

2018-11-08