المراوغة على حافة الهاوية

بقلم: علي قاسم

التلويح التركي بعملية عسكرية شـرق الفرات وصل إلى حد الإفصاح عن التوقيت، الذي ترك هامشاً واضحاً للابتزاز والمساومة، وربما المبازرة على شروط إضافية أو مغانم سياسية تسد الفراغ الحاصل في المشهد نتيجة الاستعصاءات التي تشهدها الحركة السياسية والحراك الدبلوماسي الموازي، وبدت المنصات الإضافية في حالة صمت مطبق في ظل انسداد الكثير من الاحتمالات، التي كانت تترك الباب مفتوحاً على الأقل للاستنتاجات بما يكفي لإشغال الوقت سياسياً في الحد الأدنى.‏

والسؤال المنطقي الذي يُطرح أمام إلحاح المشهد الإقليمي يبقى متصلاً بالأهداف والأجندات التي تتحرك وفق إحداثياتها سياسة النظام التركي، الذي يبدو في عجلة من أمره للهروب إلى الأمام في ظل تفاقم الوضع في مناطق خفض التصعيد، واستحالة تقديم إجابات مقنعة حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تأخر تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في سوتشي، في وقت كانت مرتزقته تعبّر عن خشيتها من المصير المحتوم في أي معركة مقبلة، وتستجدي نظام أردوغان لتقديم حلول تجنبها أسوأ الخيارات التي تلوح تباشيرها في أكثر من اتجاه.‏

فالتركي الذي وجد أن الاستثمار في المستجدات الإقليمية لم يعد يجدي إلى الحد الذي كان يمكن التعويل عليه أو الرهان من خلاله على توفير ما يحتاجه من الوقت الضائع، حيث طلبه من الروسي لإعادة التفاوض على ما اتفق عليه الجانبان في سوتشي لم يجد آذاناً صاغية، والأميركي الذي كان يعده بالمزيد من الأدوار الوظيفية على نقاط إضافية لم يوصله إلى مكان إلا بالوعود التي تبخرت أمام التطورات المتسارعة، التي أعادت التركي إلى نقطة الصفر في الخيارات المتاحة، التي تقتضي المسارعة إلى رفع السقف والتهديد والوعيد.. وصولاً إلى الإعلان عن قرب بدء عملية شـرق الفرات، والتي لن تكون نقاط تمركز القوات الأميركية هدفاً لها، ولا هي موضع نقاش، في مغامرة تدفع بالتركي إلى اللعب على حافة الهاوية، يقابله تثاؤب أميركي يتيح له المراوغة بإدارة ما ينتج عن تلك المغامرة، وحتى الاستثمار فيها والمراهنة عليها.‏

 

الفرق هنا لا يقتصر على المواعيد المسبقة ومضمونها فقط، وإنما في توقيتها الذي يتسق مع الإعلان الأميركي عن سقوف زمنية ومهل لمنصة آستنة وسوتشي، في إشارة واضحة على أن التحرك التركي سيكون من ضمن سياق الحراك الأميركي دبلوماسياً، وربما تمهيداً على الأرض لدفع الاصطفافات الناتجة عن التأزم المشترك إلى مستويات تكون بمستوى ما ينتظر الطرفان من تحديات، سمتها المشتركة المعايرة السياسية الخاطئة في المقاربات الأميركية التركية، حيث التصعيد من قبل الجانبين وإن كان لكل منهما المسار الخاص، فإنه يعكس حدود ومساحة التأزم القائمة في نهاية المطاف.‏

اللحاق التركي بالأميركي في إعادة التصعيد على جبهات ملاصقة، باعتبارها المجال الحيوي لأطماع وأحلام الجانبين، تترك مساحات كبرى من التأويلات التي تشي بقرب المسعى الأميركي للبدء بالمناورة الكبرى، وهدفها الأساسي إعادة تثبيت النقاط على الأرض، بحكم أن الوقع القائم يعكس تأزماً مزدوجاً يقود إلى الحصيلة ذاتها، ومفادها العملي أن التسخين ميدانياً يراد منه إعادة فتح الطاولات السياسية لتكون على المزاج الأميركي أو تعيده إليها من جهة، وإعاقة أي عمل يستهدف التنظيمات الإرهابية التي تصعّد من استفزازاتها من جهة ثانية، وبالتالي تأخير الحسم سياسياً وميدانياً حتى إشعار آخر، ولو اقتضى الأمر الانزلاق إلى الهاوية ذاتها.‏

2018-12-13