وهوى السفاح في شر هواه

بقلم: عبد الرحيم أحمد

عقدان من الزمن استطاع خلالهما الرئيس التركي رجب أردوغان أن يوسع نطاق سيطرته على السلطات في تركيا وأن ينقل معظم السلطات إلى حيث يكون، فعندما كان رئيسا للحكومة كانت مجمل السلطات بيده، والرئيس يمارس طقوساً بروتوكولية، وعندما أصبح رئيساً للدولة نقل تلك الصلاحيات بموجب تعديلات دستورية إلى سلطاته ليمارس سلطوية مطلقة في إدارة شؤون البلاد.‏

فائض القوة الذي شعر به أردوغان داخل تركيا جعله يتسلطن ويحلم بتوسيع سيطرته في الجوار، فعلا صوته وصراخه عند الحديث عن جيرانه، وبدأ موسمه الاستعراضي بدءا بالحديث عن قوة تركيا وانتهاء بدفاعه الصوتي عن المقدسات الإسلامية والديمقراطية!!.. لكن يبدو أن موسم الاستعراض وصل إلى نهايته، وحبات رمل القوة انزلقت من بين أصابعه.‏

لا شك في أن أردوغان استطاع خلال سنوات سبع إلحاق الضرر والدمار في الكثير من مناطق سورية عبر دعمه المباشر وغير المباشر للمجموعات الإرهابية وتسهيل مرور مئات المرتزقة من دول العالم لقتال الجيش العربي السوري، وهو نجح في ممارسة الشرور لكنه نسي أن يفكر في مقولة «وقع في شر أعماله» فالإرهاب الذي رعاه وربّاه بدأ ينهش بالجسد التركي، والتدمير الاقتصادي الذي مارسه في سورية بدأ يرتد عليه.‏

هل أدرك أردوغان أن سرقته معامل حلب واقتصاد حلب لم تنفعه، وأن حلب ستبقى الإسفين الذي يدق في نعشه.. هل أدرك أن الأذى الذي ألحقه بأهل سورية سيرتد على شعبه؟! ربما لم يدرك ذلك لكن التاريخ سيعلمه، وما اعتراف وزير خارجيته مولود جاويش اوغلو المتأخر أمس بضرورة «إبادة الإرهابيين في إدلب لأن وجودهم يهدد سلامة المنطقة بالكامل» إلا بداية الدرس الذي سيتعلمه أردوغان، وما انهيار العملة التركية سوى درس آخر في فصل دراسي قاسٍ لتركيا وشعبها.‏

أردوغان لمّا يتخلّ بعد عن صراخه ولمّا يستوعب الدرس، لكن صراخه اليوم في مقلب الحديث عن المؤامرة الامريكية ضده بعد أن تهاوت العملة التركية إلى مستوى لم تصله من قبل، ليس أكثر من مناشدات للأتراك للنجدة والإيداع في البنوك لتوفير وتأمين السيولة اللازمة.. فهل يتعظ صاحب الحلم الشيطاني ويستفيق من حلم السلطنة القائم على إضعاف وتدمير الآخرين؟!!‏

إذا كان يعتقد رئيس النظام التركي أن صبيان الاقتصاد من السوريين الذين جندهم في حملة الاستجداء لدعم الليرة التركية سينجحون في ذلك فهو واهم ولا يزال يراهن على حصان خاسر، ولن ينفعه سوى التراجع عن سياساته التي قادت تركيا إلى الوضع الاقتصادي الضعيف الذي تعانيه اليوم.‏

لو فعل ذلك قبل سنوات لوفر على تركيا وجوارها الكثير الكثير من الويلات والدمار.. فسورية الدولة والشعب سوف تنهض من جديد، وتركيا الدولة والشعب ستنهض من جديد أيضا لكن أردوغان سيكون مصيره الفشل، والتاريخ سيسجل دوره التخريبي في بلاده بجواره.. فقد هوى في شر هواه.‏

2018-08-15