“سورية في مواجهة الحرب الكونية” توثيق موسوعي شامل للحرب على سورية


منذ بدء الحرب على سورية ظهر إلى الساحة العديد من الكتب والمؤلفات تناولت المؤامرة بأبعادها المختلفة ومن وجهات نظر متباينة ولكن غلبت عليها رؤية الكاتب وتحليله الشخصي المرتكز على تخصصه في مجال معرفي بعينه.

غير أن جمع جهود باحثين ومفكرين من دول عربية عدة تخوض في أسباب هذه الحرب ومراحلها والأطراف المشتركة فيها سيؤدي إلى كتاب يجوز وصفه بالموسوعة كما في كتاب “سورية في مواجهة الحرب الكونية .. حقائق ووثائق” الذي أشرفت عليه الدكتورة نجاح العطار وصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة.

ومن الواضح أن الفريق القائم على إخراج الكتاب ترك للباحثين الأربعة عشر من سورية ومصر ولبنان وفلسطين والأردن الحرية المطلقة في توصيف أبعاد الأزمة وظواهرها وأشكال الخروج منها وإدارتها وتقديم الوثائق الداعمة فشغل القسم الأعظم من الكتاب بينما احتوى القسم الثاني قراءات لكلمات ألقاها السيد الرئيس بشار الأسد.

الدراسات التي ضمها الكتاب يمكن تصنيفها في محاور فالأول سعى لإثبات حقيقة المؤامرة على سورية وأن ما جرى لم يكن عفويا بل مخطط له منذ سنوات عبر الكشف عن جملة من الوثائق والحقائق.

وفي هذا الصدد تعرض الباحثان ابراهيم ناجي علوش وخلف محمد الجراد بصورة منفصلة في دراستيهما عن استهداف سورية بسبب موقفها القومي العروبي ودعمها للمقاومة ومشروعها للتنمية المستقلة منذ عقود من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ونظام بني سعود من خلال وثائق تثبت دعم وتمويل جهات تابعة لتنظيم “الإخوان المسلمين” وغيره بالأموال والسلاح.

ويغوص عدد من الأبحاث في محور ثان بالجانب العسكري للحرب على سورية والأطراف المشاركة فيها ونتائج هذه الحرب على المنطقة والعالم حيث يسهب الباحثون من العميد الدكتور أمين محمد حطيط والعميد المتقاعد تركي حسن وتحسين الحلبي وأنيس النقاش عبر دراساتهم التي قدموها في التأكيد على الاستهداف الممنهج للجيش العربي السوري والوسائل التي اعتمدتها القيادة السورية لمواجهة العدوان بمراحله المختلفة وقواعد تصنيف المجموعات الإرهابية واعتماد معظمها على الفكر المتطرف منطلقا.

وتوصلت الأبحاث في هذا المحور إلى أن انتصار سورية في هذه الحرب شكل هزيمة لمخطط إعادة رسم حدود الدول واستبدالها بكيانات على أسس طائفية ومذهبية وعرقية كما فرض تغييرا واسعا في الوضع الإقليمي الذي كان سائدا في منطقة الشرق الأوسط وفي منظومة العلاقات القائمة بين الدول الرئيسة وأن دعم الحلفاء لسورية في هذه الحرب بدوره كان رافعة لتغيير موازين القوى الدولية مع حماية للحلفاء وأهدافهم الذين كانوا مستهدفين أيضا في هذه الحرب.

ولأن هذا العدوان الذي طال أمده اعتمد الفكر كرأس حربة خصص عدد من الباحثين في محور ثالث دراساتهم حول تحليل هذا الجانب من زوايا مختلفة فقدم الباحثون خلف محمد الجراد وناديا خوست وحياة الحويك عطية بحوثا تتصل بالمرتكزات الفكرية للجماعات والتنظيمات والحركات الإرهابية التكفيرية في سورية المرتبطة بالوهابية وسعي الولايات المتحدة في التمهيد للعدوان لتطبيق مفهوم “الحرب الناعمة” التي تستهدف مفاهيم الولاء للوطن والموقف من العدو الإسرائيلي ومؤسسة الدولة الوطنية كما يتوقف قارئ الكتاب عند ما حاول الإعلام المعادي تثبيته من خلال تغطيته للأحداث في سورية من إلغاء للمنطق ولمفهوم السيادة الوطنية وترهيب كل من يحاول اعتراض ذلك بالتخوين.

ولم يكن بعيدا عن أذهان عدد من الباحثين المشاركين في الكتاب من الدكتورين حسن قاسم جوني ورفعت سيد أحمد في محور خامس الدور الذي لعبه عدد من الأطراف ولا سيما كيان العدو الإسرائيلي في إذكاء الحرب على سورية من دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية وتدريبها ومعالجة مصابيها ومحاولة تقسيم الأراضي السورية.

القضية الفلسطينية وتداعيات الحرب على سورية دراسة منفردة في هذا الشأن قدمها الدكتور طلال ناجي الذي أسهب في شرح العلاقة العضوية التاريخية بين سورية وفلسطين مقابل حالة المد والجزر التي عرفتها العلاقات بين القيادة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية جراء مواقف الأخيرة من المفاوضات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي كما عرض ناجي لمواقف الفصائل الفلسطينية من الحرب على سورية.

ويجوز جمع عدد من الدراسات في محور سادس تناول الجوانب المتصلة بالحرب والتي تهتم بالإنسان والتنمية والنهوض من وسط الدمار عالجها الباحثون الدكاترة إسماعيل مروة وحيان أحمد سلمان ومحمد أشرف البيومي فتطرقوا خلالها لسياسة القيادة في سورية في التعامل مع الحرب في الميدان الاجتماعي وموضوع المصالحات وللخسائر الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد جراء الحرب وعوامل صمود الدولة السورية مع تحديد لركائز النهضة العربية المستقبلية التي ستكون نواتها نهضة سورية شاملة.

القسم الثاني الذي قام على قراءة كلمتي الرئيس الأسد في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين وفي الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني عام 2017 تعمق في دراسة محتوى هاتين الكلمتين والتأكيد على رفض هيمنة قوى الهيمنة الخارجية وأدواتها في المنطقة والدفاع عن مشروع الوحدة والتحرر والنهضة والانتماء القومي والوقوف بوجه تيارات التغريب والهروب إلى التاريخ والماضي التي يحاول أعداء الأمة نشرها في المجتمعات العربية.

2018-06-06