متى كان «القلق» الغربي إنسانياً..!؟

بقلم : عبد الرحيم أحمد

تاريخياً لم يكن القلق الغربي تجاه مايحدث في بلداننا أو ما تتعرض له شعوبنا سوى بحجم ما يمكن أن تؤثر مجريات الأحداث سلباً على مصالح الدول الغربية الآنية والمستقبلية، وعادة يزداد منسوب القلق بمدى خطورة ما يجرى على هذه المصالح. وهذه القاعدة تنطبق اليوم على المواقف الغربية التي ارتفع منسوب القلق فيها مع اقتراب الحسم ضد الإرهابيين في الغوطة الشرقية.‏

القوى الغربية المتحكّمة بمنصات الإعلام العالمية والتي تصمّ آذاننا بالحديث عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وقلقها العميق على مصير المدنيين في الغوطة الشرقية، لدرجة أن تلك القوى أصبحت تذكر اسم حاراتها وزواريبها للإيهام بالقرب من أهلها والالتصاق بقضيتهم، فشلت حتى في الشعور بالقلق تجاه الأزمات وحروب الإبادة التي ترتكبها بحقنا، وبالطريقة نفسها تتعامى عمداً عما يتعرض له المدنيون في الغوطة من تجويع واستغلال واستخدام كدروع بشرية من قبل التنظيمات المصنفة إرهابية على قوائم الأمم المتحدة.‏

حال المدنيين في الغوطة الشرقية كحال المدنيين الذين خطفتهم التنظيمات الإرهابية نفسها من مدينة عدرا العمالية في ليلة ظلماء وتستخدمهم اليوم دروعاً بشرية، لكن المراصد الغربية لم تحاول مشاهدة ما جرى في عدرا العمالية على يد التنظيمات الإرهابية، وهي لن تحاول اليوم أن تشاهد ما يتعرض له المدنيون في العاصمة دمشق من قذائف يومية تودي بحياة الأبرياء، فهذه المراصد مبرمجة لترى حسب الطلب ووفق الجدوى السياسية، لكن لا بأس من تغليف المشهد بمشاعر إنسانية نبيلة تصل إلى حد القلق.‏

عند تذكير الغربيين بجرائم الإرهابيين في الغوطة وفي كفريا والفوعة وتدمر ودير الزور والرقة تتبخر المشاعر النبيلة وعبارات القلق وتغيب من قاموسهم، فهم يحتفظون بها لحين الحاجة حيث يكون للمشاعر وشعارات حقوق الإنسان ثمن يصرف في بازار السياسة.‏

ليس العيب في المراصد الغربية بل بمشغليها، فمستشار الأمن القومي الأمريكي مكماستر بعظمة أجهزته الاستخباراتية استند في اتهاماته للحكومة السورية باستخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية قبل أيام إلى «روايات الناس» وقال حرفياً: «روايات الناس توضح تماماً» أن الحكومة السورية «ما زالت» تستخدم الأسلحة الكيميائية وينبغي أن «تُحَاسَبْ».‏

هذا التأكيد لاتهام اليوم محمول على تأكيد لاتهام سابق غير مؤكد أصلاً، لكنه يصل حد الحقيقة عند مكماستر.. غير أن الأمر يتغير عندما يتعلق بتقارير عن استخدام تركيا السلاح الكيميائي ضد السوريين في عفرين فيسخّف البيت الأبيض التقارير ويستبعد فرضية استخدام السلاح الكيميائي من قبل الأتراك ويقول المتحدث باسم الإدارة الأمريكية مايكل أنطون: «نحن على علم بهذه التقارير ولا يمكننا تأكيدها، ونعتقد أنه من غير المرجح أبداً أن تكون القوات التركية قد استخدمت الأسلحة الكيميائية»!! «من غير المرجح أبداً» يقابلها «توضح تماماً أن دمشق مازالت»!!‏

صوت السلاح في مؤتمر الأمن والسلام!!‏

ليس غريباً هذا التناقض، فمؤتمر الأمن والسلام في ميونيخ الذي يحضره مكماستر طغت عليه لغة الحرب وصفقات السلاح.. تجار الحروب من الولايات المتحدة إلى الدول الأوروبية يحولون هذا المنتدى في كل عام إلى منصة لتوجيه التهديدات ضد بعض دول العالم وعقد صفقات بيع السلاح في مناطق النزاعات والحروب التي تثيرها، رغماً عن اسمه الذي يحمل كلمتي «الأمن والسلام»، وهكذا هي السياسة الغربية.‏

دعوات الأمم المتحدة والدول الغربية لوقف العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش العربي السوري لاجتثاث الإرهاب من الغوطة الشرقية بريف دمشق ليس فيها من الحرص على مصير المدنيين سوى مقدار الاستغلال السياسي، لأن الحرص على أبناء الغوطة الشرقية يكون بالعمل على إنهاء حالة احتجازهم من قبل الإرهابيين الذين يحتجزونهم رغماً عنهم منذ سنوات، وبإنهاء قذائف الحقد التي تحصد أرواح المدنيين من أطفال ونساء دمشق، وهذا ما يعمل عليه الجيش العربي السوري.‏

2018-02-21