من يوقف هذه الرعونة ؟!

بقلم : علي قاسم
يبدو أن المسافة الفاصلة بين الرعونة والحماقة في اللغة هي غير تلك التي تكون في السياسة، بدليل أن موقف الرئيس ترامب لم يكتفِ بإلغاء تلك المسافة، بل راكمت من نقاط تلاقيها إلى حد التطابق، ليتحول الناتج إلى خلطة لا تخلو من الجنون السياسي والهوس بالقوة التي تحاكي من خلالها الغطرسة الأميركية أبشع فصولها، في مقاربة قد تكون الأكثر فظاعة في تاريخ البشرية.

فالمعضلة لم تعد في الذرائع والأكاذيب والفبركات والتضليل السياسي والإعلامي والدبلوماسي فحسب، بل تتعداها إلى المضمون السياسي الذي بات أبعد من الفوضى والبلطجة وصولاً إلى حافة الهاوية، التي يمارس من خلالها ترامب سياسة الرعب على النطاق العالمي، في مشهد لم يكن أكثر المتشائمين على المستوى العالمي يتخيل هذا السيناريو، ولا يصدق ما يسمعه من رئيس أكبر دولة وصاحب القوة الأكبر، هذه المفردات والمصطلحات التي تجاوزت أبسط حدود اللباقة الدبلوماسية والسياسية، باتت تلامس سقفاً مرتفعاً من هوس القوة ومفاعيل السطوة والهيمنة، حين بلغت أعلى مستويات العربدة السياسية التي يشهدها العالم اليوم وسط ذهول وريبة.‏

والمشهد برمته يبدو مصنّعاً وممسوكاً بحيث يصل إلى حالة الرعب الحقيقي، الذي يهدد بكارثة لا يمكن حصر نتائجها بالمنطقة بعد أن أوصل ترامب خطابه إلى حضيض لم تعهده البشرية في تاريخها الحديث، خصوصاً هذا المتباهي بالقوة، وقد لمسنا وسمعنا وشاهدنا ورأينا كيف كانت أسلحته الذكية تقتل الأطفال والنساء والمدنيين العزّل تحت مرأى العالم في الرقة وغيرها الكثير من شواهد هذا «الذكاء» الفظيع.‏

العالم ينزاح نحو شفير الهاوية بفعل سياسة رعناء تدفع العالم بأسره إلى حبس أنفاسه، وهو يتابع عملية الضخّ السياسي والإعلامي والدعائي والتضليلي وتسويق الأكاذيب في محفل سياسي يخرج عن دوره ومهامه، ويفقد السيطرة على أدواته ومفاتيحه التي اعتاد أن يراها في مثل هذه الأزمات، حيث تغيب إرادة النقاش.. وتحضر مماحكات الجدل العبثي التي تحظر وجود أي منطق في المقاربة وفي الخطاب وحتى في الاستنتاجات والقراءات.‏

الأخطر.. حالة الاستلاب التي يمارسها الرئيس ترامب داخل إدارته كما هي خارجها.. على مستوى المنطقة عبر أدواته الطيّعة والمستعدة لمجاراته بعدوانه وحماقته، كما هي على مستوى شركائه في منظومة العدوان في بعدها السياسي والإعلامي والدبلوماسي والدعائي على نطاق المسارعة إلى مجاراة الأميركي في نزوات مسؤوليه من دون استيعاب لكثير من المنزلقات التي توصل العالم إلى أتون صراع قد يعرف البعض متى يبدأ.. لكن لا أحد يمكن أن يحدد متى ينتهي وإلى أين يقود، حيث أميركا تمارس سطوتها بشكل أرعن، وتستخدم قوتها بطريقة العربدة العسكرية.‏

المشهد يستدعي التوقف مطولاً قبل فوات الأوان، وقبل أن تمضي الغطرسة إلى حيث تقود العالم إلى التهلكة، وفي أقلها المنطقة إلى الجحيم السياسي والعسكري، خصوصاً أن هناك من يتربص بهذه اللحظة، ومن ينتظرها ويعمل على الدفع باتجاهها، ويحرّض عليها فتكبر معه كرة الثلج وهي تتدحرج على صفيح منزلق.‏

الحماقة لا تجدي.. والرعونة لن تنفع، والغطرسة لا تؤدي إلّا إلى الدمار والتهلكة.. فكيف يمكن تجنب ذلك وتفاديه إن لم يكن هناك عقل يعمل، وإرادات واعية حاضرة.. ومدركة لمخاطره، وما عدا ذلك لابد من طرح السؤال العالق في حلق العالم.. من يوقف هذه الرعونة؟!!‏

2018-04-12