الإيرانيّون و... دونالد ترامب

بقلم : نبيه البرجي

"في الميتولوجيا الأميركية،  انه اله القردة...!".

هكذا كان رأي يوجين روبنسون في "الواشنطن بوست" عام 2016. الآن يدعو الى اخراج ذلك "المعتوه" من المكتب البيضاوي.

أي عنوان للمرحلة بعدما اختار ستيف بانون عنوان "النار والغضب" لكتاب مايكل وولف ؟ مستشار الأمن القومي الجنرال همفري ماكماستر الذي ثابر على الحد من أثر التغريدات المجنونة لدونالد ترامب،  فاتح وزير الدفاع جيمس ماتيس في اعتزامه الاستقالة من منصبه. ثمة من سأل كيف له مساكنة الثور في غرفة واحدة؟

وزراء الدفاع في حلف شمال الأطلسي اتصلوا جميعاً، باستثناء الوزير التركي، بنظيرهم الأميركي ليسألوه عن الضوابط التي اتخذت لإبقائه بعيداً ليس فقط عن الأزرار النووية،  وانما أيضاً عن أي قرار يمكن أن يفضي الى اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

  صحافي بريطاني قال لنا ان تيريزا ماي لم تكن لتنام أكثر من دقائق حين كان دونالد ترامب وكيم جونغ ـ اون يتبادلان التهديدات. الاستخبارات البريطانية حصلت على معلومات من بيونغ بانغ بأن الزعيم الكوري الشمالي كان يعتقد أن نظيره الأميركي كان جاداً بتوجيه ضربة صاعقة الى بلاده.

الروس والصينيون هم الذين ثنوا كيم عن الضربة الاستباقية بعدما استخدموا الخطوط الساخنة مع البنتاغون. في تلك الساعة أمر جيمس ماتيس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزف مانفورد، قائد القيادة الاستراتيجية الجنرال جون هايتن بالإعلان عن رفضه تنفيذ أي أمر "غير قانوني" يصدره البيت الأبيض حول اللجوء الى الخيار النووي.

كان واضحاً أن هايتن أراد القول أنه يعكس رأي الجنرالات الذين تيّقنوا أن دونالد ترامب لا يفرّق بين القنبلة وطبق الهوغ...

آنذاك،  ترددت معلومات في الوسط الديبلوماسي الاوروبي بأن ماكماستر نقل الى الرئيس أن الروس والصينيين استنفروا صواريخهم العابرة للقارات لأن ضرب كوريا الشمالية نووياً يعني، تلقائياً، نشوب الحرب الأخيرة على الكوكب.

أجواء مماثلة صاحبت الجدل الذي حصل في الأسبوع الأول من كانون الثاني الحالي حول ايران. ما قيل في باريس لم يكن سوى الجزء المرئي من جبل النار. وزراء الخارجية الاوروبيون استندوا الى معطيات استخباراتية في غاية الدقة،  وتقول أن القيادة الايرانية التي أخذت بالاعتبار التفاعلات المتعددة الأبعاد لتظاهرات المدن، وتداعيات ذلك على النظام،  لم تعد تفكر بمنطق حائكي السجاد وإنما بمنطق من تصل الحرائق الى عقر داره.

الإيرانيون قالوا أن تقويض الاتفاق النووي، وبالتالي "الافراج" عن العقوبات، بمثابة اعلان حرب على ايران التي لن تكرر، حتماً، تجربة بيرل هاربور ابان الحرب العالمية الثانية في الخليج، لكنها تعرف كيف تزعزع الوجود الأميركي في ارجاء الشرق الأوسط.

ديبلوماسي ايراني قال لنا "اذا فكّر هذا المجنون بأي عملية عسكرية ضد بلادنا فلن يبقى جندي أميركي في المنطقة" (الأوروبيون حذروا من أن الأنظمة الحليفة ستتساقط كما حجارة الدومينو).

الديبلوماسي أضاف أنه عندما عقد الاتفاق لم يكن مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي مقتنعاً به،  ولا غالبية الايرانيين الذي لا يؤمنون بصدقية الولايات المتحدة، مع استعادة لما فعلته وكالة الاستخبارات المركزية برئيس الوزراء الايراني محمد مصدق عام 1953، بعدما أمّم النفط وخلع الشاه محمد رضا بهلوي.

تأكيد بأنه ما من قوة على الأرض تستطيع أن تمنع ايران من المضي في برنامجها الخاص بتطوير المنظومة الباليستية، أو من مد يد العون الى الحلفاء.

الديبلوماسي شدّد على أن بلاده ترفض،  على نحو قطعي،  أي محاولة للربط بين اتفاق فيينا والمسائل الأخرى،  وسواء في المجال التكنولوجي أو في المجال الجيوسياسي. وهذا ما حاول جون كيري تهريبه الى ردهة المفاوضات أثناء الأشهر الأخيرة من المفاوضات. كان الرد الايراني حاسماً،  ومضت الأمور في اتجاه التوقيع.

دونالد ترامب تراجع. أعطى الايرانيين فترة اختبارية لأربعة أشهر. موقف طهران جاء صاعقاً. لم يكن الاوروبيون وحدهم الذين اتصلوا بمحمد جواد ظريف ليقولوا أن البحث بات جدياً داخل المؤسسة الأميركية حول تطبيق المادة الخامسة والعشرين من الدستور. العزل (impeachment) قبل مطلع الصيف المقبل بداعي البارانويا أو التخلخل الذهني...

وصفه للأفارقة أو للملونين بـ"الحثالة" زاد في اقتناع أركان الادارة بأن السيل بلغ الزبى. أكثر من جهة خاطبت ترامب "من يخلفك قد يكون هندياً أحمر".

ألا يبدو الآن على كومة الحطب؟ اقترب الوقت الذي يترجل فيه دونكيشوت القرن عن حصانه الخشبي!!

 

2018-01-16