باختصار: هي أحلام!

وزارة الإعلام

 

زهير ماجد

قديمة هي الأحلام التي ظلت أحلاما أو أفسدها الدهر والتغيير فصارت حلما من نوع آخر أو واقعا ملتبسا. فمنذ خمسين عاما وفي مثل هذا الشهر قتلوا أكبر حالم بتعميم الإنسانية تشي جيفارا .. قتله الفقراء الذين ناضل من أجلهم، كيف تجرأ من وجه إلى رأسه فوهة المسدس ثم ضغط عليه.. لا بد أنه جن لاحقا، مثل أولئك الطيارين الأميركيين الذين رموا النقبلة الذرية على هيروشيما.


مثله جمال عبدالناصر حلم بأمة واحدة وبالاستقلال التام وبالصناعات المتطورة .. لكنها تحققت ثم سقطت، وفي يوغوسلافيا كان حلم الماريشال تيتو وحدة بلاده التي صنعها، وربما كان في أعماقه يعرف أن وحدتها ستذهب معه لحظة يغمض عينيه.


هي أحلام يصنعها بشر لهم نوايا أكبر من قاماتهم أحيانا، أو أكبر من قدرتهم، فكم مثلا حلم لينين مؤسس الاتحاد السوفياتي بأن تصبح الأرض كلها شيوعية، وربما مثله فيدل كاسترو الذي اقتنع، ربما، صعوبة أن يتحقق حلمه أوسع من بلاده. أما ستالين فظل يقتل على أمل أن يصفي العنصر البشري الروسي من الأعداء كي يصل بهم إلى حلمه، الذي انتهى تماما بعد سنين من موته.


نابليون بونابرت وهتلر صنفان صدقا إمكانية السيطرة على العالم، خاضا حروبا عالمية، صنعا مقتلة عظيمة، طبعا بالملايين. تمددا كثيرا نحو أماكن ومساحات، داعب خيالهما أكثر مما يريدانه من دول. انتهى حلم الأول في جزيرة المنافي ومات حلمه قبل أن يموت، أما الثاني فرأى كابوس سقوط دولته بعدما كان ممتدا على أراضٍ لا حصر لها، هوى هو وبوقه الإعلامي وكل مؤسسته.


كان الجنرال الكبير شارل ديجول قد أطل على حلمه من باب صراعه مع هتلر، رفض أن تكون فرنسا مطيته، دفعها إلى الصراخ بالرصاص، ظلت وفية له وظل حالما بأن تظل الديجولية قائمة حتى بعد أن يدير ظهره ويمشي، لكن الفرنسيين أنفسهم حملوه على الخروج من حلم البقاء رئيسا ثم مرجعا.


كثير من حلموا لبلاد، ومنهم من حلم بعظمة شخصية .. لا بد من الحلم دائما مشفوعا بالخيال. الحالمون الكبار لا يتأملون فقط بل يفعلون بلا هوادة، وعندما يحققون بعضا من حلمهم، يتقدمون أكثر .. لكنه الانكسار في معظم الأحيان..


كثيرا ما رددنا جملة زحفا نحو القدس، ترى هل يصل المسلمون والعرب إلى المدينة الجالسة على انتظار أقدامهم؟ أم أنه الحلم القديم الذي تخاض حوله الحروب كي لا تصل إليه؟


وماذا يفعل الأميركي الوحيد الذي لا حلم له نظرا لعامل القوة الزائدة لديه؟ حتى الآن لديه خططه المتفاوتة، وجميع ما رسمه على الورق وصل إليه. فلماذا يحلم، والكرة الأرضية بين يديه مثل برتقالة؟ هي الامبراطورية الوحيدة التي ما زالت حيوية ولم تهرم .. الامبراطوريات التاريخية عاشت عشرات ومئات السنين، مع أنها لم تكن تملك قدرات أميركا وقوتها المادية والمعنوية.


ومع ذلك سقط الأميركي في فيتنام ولم ينجح في كوبا وهزم في لبنان، وهو الآن يهزم في سوريا، وفيها يتخبط، ومثله من حلم بسوريا أخرى، فها هو يحصد فشله، وهزائمه تكبر. سيكتب المؤرخون هذا الحدث الأكبر خلال عشرات السنين على أنه واقعية سوريا وقدرتها.

 

2017-09-12