ترامب يحاضر على المسلمين بالتسامح ويقرع طبول الحرب الطائفية.. والتطبيع قادم

وزارة الإعلام

 

 

عبد الباري عطوان

من أبرز مفارقات "القمة الاسلامية الأمريكية" التي انعقدت مساء اليوم في العاصمة السعودية الرياض، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يطالب 48 بالمئة من الأمريكيين بعزله لعنصريته، اعتلى المنبر، وتحول الى واعظ في التسامح والمساواة، ويلقي على القادة العرب الذين جرى حشدهم بطريقة مريبة، مثل تلاميذ المدارس، محاضرات حول كيفية محاربة الارهاب وتجفيف منابعه، وعدم توفير الملاذات الآمنة له، وقطع كل الدعم المالي والسياسي والاعلامي عنه.

الرئيس ترامب، الذي كان الاهتمام الاعلامي والسياسي والشعبي، بزوجته وابنته الجميلتين أكثر من الاهتمام به، حرص على التأكيد في كلمته على أن الارهاب اسلامي بالدرجة الأولى، ومسؤوليه مكافحته يجب أن تتولاها الدول الاسلامية.

تحدث عن حتمية دعم ثقافة التعايش مع الآخر، وشدد على ضرورة مواجهة أزمة "التطرف والارهاب الاسلاميين" بكل انواعها، امتدح الأردن وتركيا لاستضافتهما اللاجئين السوريين، ونسي، أو تناسى، أن سياساته العنصرية البغيضة في رفض التعايش مع السلام والمسلمين، وإغلاق ابواب بلاده أمام المهاجرين السوريين، هي التي توفر الحاضنة الدافئة والخصبة للكراهية والتطرف والارهاب أيضاً.

الحروب والتدخلات الأمريكية في المنطقة العربية والعالم الاسلامي هي أكثر أنواع الارهاب دموية، والارهابيون الذين يطالب الرئيس ترامب بقتالهم ويقول أنهم لا يعبدون الله بل الموت، لم يقتلوا الا أعداد لا تذكر بالمقارنة لما قتلته الطائرات والصواريخ الأمريكية في العراق وسورية وليبيا واليمن وافغانستان.

هناك مجموعة من النقاط يمكن التوقف عندها اذا أردنا أن نقدم تقييما أقرب الى الدقة والعلمية لمهرجان الترحيب بالرئيس ترامب في الرياض:

الأولى: إصرار ترامب على قصف "حزب الله" وحركة "حماس" على أنهما منظمتان ارهابيتان يؤكد أن الهدف  الحقيقي من هذا للمهرجان هو "تجريم" المقاومة للاحتلال الاسرائيلي، ومقدمة لحشد العالم الاسلامي لمحاربتها، وتدشين تحالف اسلامي "ناتو" للقيام بهذه المهمة.

الثانية: التطرف في مفهوم الرئيس الامريكي ومضيفيه يعني العداء لاسرائيل وأمريكا، والاعتدال في المقابل هو  الانضواء تحت جناحيهما، والقبول بهما، وكل سياساتهما، كحليف قوي دون اي تردد.

 الثالثة: إيران التي وصفها الرئيس ترامب بأنها تنشر الدمار والفوضى وتؤجج الصراع الطائفي في المنطقة، وتشكل رأس حربة في دعم الإرهاب وميليشياته، هي العدو الذي يجب محاربته وليس اسرائيل المعتدلة الحضارية والحمل الوديع.

الرابعة: لم تعط كلمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس لمخاطبة القمة، ولم يشعر أحد بوجوده، مما يعني التهميش الكامل للقضية الفلسطينية في هذه القمة وفي المرحلة المقبلة، تجنباً لإحراج ترامب، وربما اسرائيل أيضاً، رغم أن الرئيس عباس واحد منهم، وربما يكون أحرص على عدم إغضاب اسرائيل من ترامب نفسه.

إن قمة الرياض "الاسلامية الترامبية" هذه لن تكون بداية السلام في الشرق الاوسط والعالم، مثلما وصفها الرئيس ترامب، كما انها لن تكون انطلاقة للحرب على الإرهاب، طالما أن المظالم التي فرخت الإرهاب بالمفهوم الامريكي ما زالت على حالها، ومعظمها ناجمة عن السياسات الامريكية المنحازة لدولة الاحتلال الاسرائيلي وحروبها وإرهابها وجرائمها.

الرئيس ترامب سيعود الى بيته الأبيض وخروج دابته محملة بالذهب والفضة والخراج السعودي والخليجي، فقد حصل على صفقات تزيد قيمتها عن 500 مليار دولار مرشحة للتناسل، ستوفر مئات الآلاف، وربما ملايين من فرص العمل للأمريكيين وليس العرب والمسلمين الذين استضافوه وحسناواته وأكرموا ضيافته.

الرئيس ترامب لم يطلق الحرب ضد الإرهاب، وإنما الحرب الطائفية في العالم الاسلامي، وهي حرب سنكون نحن كعرب ومسلمين، وأيا كان مذهبنا أو عرقنا، أبرز ضحاياها.

 
 
2017-05-23