باختصار: فلسطين والوحدة

وزارة الإعلام

 

زهير ماجد

 

هل كان ميشال عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي يعلم سلفا كيف ستكون عليه أيامه الحزبية وأين سينتهي به المطاف، وهل كان بامكان خالد بكداش مثلا كأمين عام للحزب الشيوعي السوري أن تتوصل قراءاته في اكتشاف المحنة الكبرى قبل وقوعها، بل هل كان بامكان جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب أن لا يصل به حلم تحرير فلسطين حسبما نصت أدبياته .. هؤلاء عاشوا الأربعينيات من القرن الماضي وكانوا إطلالة لأفكار مختلفة لهدف واحد، سبقهم إليها انطون سعادة في الثلاثينيات حين فجر فكرا اهتزت له المنطقة .. أما الأكثر حداثة فكانت التجربة الناصرية بكل مآلاتها الفكرية التي لم تختلف في جوهرها كثيرا عن الأحزاب القومية أيضا.


جميع هؤلاء وغيرهم من مفكري الأمة القلائل وبعض قياداتهم الحزبية الأخرى الذين اتخذوا من الفكر القومي العربي ضالتهم، امتلكوا حس الخطر على الأمة، كتبوا فيه الكثير، لكن هل كان من باب تسطير الفكرة لاثبات الذات، أم أنه اشعار لحقيقة المواجهة التي ترتبت على الأمة منذ زمن اكتشاف جغرافيتها واهميتها في صناعة التاريخ.


أقول ذلك انطلاقا من انعقاد المؤتمر القومي الرابع عشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق، عاصمة هذا الحزب ومرتجاه، منطلقه الفكري وأولى تجاربه التي كان لها الفضل في أن تقول الأصول التي ينتمي إليها الوطن العربي والفلسفة الأدق في تحويل الفرد إلى جماعة والجماعة إلى أمة وليس فقط شعبا لأن جمع ” الشعوب” العربية لا يوافق الحقيقة المركبة لها من حيث كونها شعبا واحدا في أقطار.


قرأت كثيرا عما سمي عن تخلف الأحزاب العربية وتراجعها شعبيا، وهو أمر طبيعي تعيشه وعاشته كل أحزاب العالم، بل وصل ببعضها إلى الاختلاف مع أدبياته كما حصل لبعض أحزاب الغرب .. هنالك مرارة في الحلق من قولة الحقيقة التي رافقت هذه الأحزاب منذ تأسيسها إلى الآن، وهي مرحلة مرت بمخاض مختلف وبعضه عسير، مرة هي الأساس، ومرة هي الملحق، ومرة هي في ذيل الواقع ترتجي البقاء .. لكنها في كل أحوالها ظلت بوصلتها واضحة، من فلسطين إلى الوحدة العربية ( حتى صحيفة الحزب الشيوعي في سورية كتبت على صفحتها الأولى أبان الوحدة المصرية السورية أهلا بعبد الناصر في سورية)، بل حين تفتقت المقاومة الفلسطينية وحاول بعضها عنصرية فلسطينية، اكتشف بعدها أن تحرير فلسطين عربي في الأساس، وحين سقطت الوحدة بين مصر وسورية أثر الانفصال المقيت، بكى كثيرون على تجربة رائدة، لكنهم اكتشفوا كم المؤامرات على منع الوحدة، غربيا وعربيا، فهي بالتالي أسلم الأفكار وأرجحها وأهمها في تاريخ الأمة، وهي ليست حاضرا فقط، بل مستقبل مزدهر مطلوب له التحقق ، فلماذا على العالم ان يتحد والعرب لا !.


أسئلة كثيرة ينتظرها وانتظرها المؤتمر في دمشق التي تعيش اليوم سؤال المصير القومي على قابليته الوطنية .. ثم والأهم لماذا وصلنا الى هذه الحال الذي كان مرتقبا حدوثه وكتبت فيه الكثير حول الخطر على الأمة وعلى أقطارها وعلى مستقبلها، منذ أول حرف في الأدبيات الحزبية كنا نقرأ هذا الكلام ونتوسع فيه ونناقشه ونعرف أننا واصلون إليه في ظرف وفي وقت وتوقيت له أبعاده المقروءة والمعلومة.

2017-05-17