مع اقتراب النصر السوري: الاستحقاقات القادمة!

وزارة الإعلام 

 

د.بسام أبو عبد الله

لا يوجد لدى أي منّا شك في أن ملامح انتصار سورية بدأت تلوح في الأفق بالرغم من أن معارك شرسة ما تزال بالانتظار في الشرق، والشمال الشرقي، والجنوب، وفي محيط دمشق، كما أن الأعمال العدوانية التي تنفذها قوات الاحتلال الأميركية بشكل مفضوح، وصارخ لن تثني سورية، وحلفاءها عن متابعة الطريق حتى هزيمة الإرهاب، واجتثاثه من الأرض السورية، باعتباره أداة أميركية غربية رجعية لتنفيذ مشاريع التقسيم، والتفتيت التي يبدو واضحاً تماماً أنها تستهدف الجميع حتى أولئك الذين تورطوا في الحرب العدوانية على سورية.

 

وإذا سأل أحدٌ ما أين مؤشرات، وملامح هذا النصر التاريخي فإنني أستطيع أن أعدد بعضها:


1- التقدم الميداني الهائل، والكبير خلال الفترة الوجيزة الماضية من خلال معارك البادية، وريف حماة، وريف حمص، وريف دمشق، والتحضير للتوجه نحو دير الزور، والتقاء القوات السورية بالعراقية شمال شرقي التنف، وانهيار عصابات داعش على امتداد هذه المساحات الكبيرة، إضافة لسعي مجموعات مسلحة أخرى للانضمام لاتفاقية وقف التصعيد، واستمرار مساري أستانا وجنيف بغض النظر عن الإنجازات المحققة، ولكن الواقع الميداني هو الذي يفرض الأجندات السياسية على الطاولة.


2- انفراط عقد محور العدوان على سورية من خلال الاشتباك السعودي القطري، والسعودي التركي، وسعي الولايات المتحدة لإعادة توزيع الأدوار من جديد على أدواتها، واستنزافهم مالياً، بعد فشلهم في الوظائف التي كُلفوا بها، وإذا أضفنا إلى كل ذلك الانقسامات الأوروبية، وسقوط القيادات التي تورطت في هذا المشروع العدواني، وانضمام باكستان، والهند لمنظمة شنغهاي، والتصادم التركي الأميركي بشأن الملف الكردي، وانتشار الإرهاب في أغلب عواصم العالم، وبدء ظهور نزعة استقلالية لدى العديد من القادة نتيجة لبروز دور روسيا والصين ودول البريكس، وحاجة العالم وشعوبه إلى إيجاد قواسم مشتركة قائمة على احترام سيادة الدول وقرارها الوطني، أي الحاجة لمنظومة جديدة للعلاقات الدولية كل هذا مؤشر آخر.


3- الاعترافات التي بدأت تنتشر في الصحافة العالمية، والعربية من مسؤولين تورطوا في الحرب العدوانية على سورية، ومنها ما قاله سيئ الذكر رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم لإحدى المحطات التلفزيونية الأميركية عن اشتراك الجميع في دعم الإرهاب في سورية، أو ما صرح به السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد عن الأخطاء والتقديرات غير الصحيحة للولايات المتحدة، وإعلانه انتصار الرئيس بشار الأسد وحلفائه، وتحذيره بعض القوى الكردية الانفصالية من مغبة الاعتماد على الولايات المتحدة، إضافة للإقرار الضمني لدى كثيرين بالفشل في سورية.

 

يمكن أن نكتب مطولاً عن مؤشرات كثيرة وعديدة، ولكنني أريد أن أتحدث أكثر عن الاستحقاقات القادمة، وهي متشعبة ومتنوعة وتحتاج للكتابة عنها بصراحة ووضوح.
في المعادلة الداخلية: لقد ثبت لدينا بما لا يدع مجالاً للشك أن نقاط ضعف داخلية استغلتها قوى التآمر على سورية للسعي لتحطيم سورية الوطن والدور والوزن التاريخي والثقافي، وسواءٌ أحب البعض ذلك أم لم يُحب، فإن نقاط الضعف هذه تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقوة الدول تقاس دائماً بالوحدة الداخلية التي هي أساس الانطلاق في السياسة الخارجية، وسبق للرئيس الأسد أن أشار إلى ذلك في أحد خطاباته عندما قال: «لو كان بيتنا الداخلي سليماً لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن».


إن الواقع الداخلي السوري لم يكن بهذا السوء قبل اندلاع الأحداث من حيث مؤشرات التنمية والمعيشة، ولكن مستوى الأداء العام وديناميته كان بطيئاً وبيروقراطياً، وأحياناً قاتلاً ومميتاً، كما أن أدوات المحاسبة كانت مقتصرة على الصغار وليس الكبار.

وهنا لابد أن نُظهر أيضاً ضعف دور المجتمع ومشاركته السياسية في العديد من الاستحقاقات، وضعف تفاعله مع العمل الحكومي والعام، الأمر الذي لمسنا نقيضه تماماً عندما انتفض الشعب السوري بكامله دفاعاً عن الوطن ووحدته، وشاهدنا نماذج عديدة ناجحة ومتفوقة في العمل المجتمعي والعام خلال سنوات الحرب، من دون أن نعرفها قبل ذلك! وهو مؤشر على ضرورة البحث عن الآليات والطرق الناجحة لزج المجتمع وجيل الشباب في العمل التطوعي والعام.
إن جماعات المعارضة السياسية البائسة الممولة من الخارج التي قدمت لنا نماذج تافهة وساقطة أخلاقياً ووطنياً، يجب ألا تمنعنا من دعم الأحزاب السياسية الجديدة القادرة على المشاركة الفاعلة في بناء الوطن وحمايته، لتشكل معارضة سياسية مسؤولة ببرامجها وطروحاتها وشخصياتها وانتمائها الوطني، وتمسكها بثوابت الشعب ومقدساته، وأرى أن هذا الأمر هو حاجة وطنية سورية، وليس تقليداً للآخرين.

 

وإذا أضفنا إلى كل ذلك المواضيع المرتبطة بالتنمية المستدامة وتطوير الريف وتعزيز دور الإدارة المحلية بهدف مشاركة المواطن السوري بشكل أكبر في إدارة شؤونه المحلية بعيداً عن المركزية الشديدة التي قتلت المبادرات في كل مكان، فإننا حقيقة أمام استحقاقات كثيرة وواسعة.

 

إن الحديث عن الواقع الداخلي لا يقلل أبداً من مستوى الإنجازات، ولكن دائماً عندما نشير إلى نقاط الخلل والسلبيات، فإن الهدف الأساسي هو إصلاحها وتطويرها والنهوض بوطننا وفقاً للمعايير العالمية التي تأخرنا في العديد منها، ولذلك فإن المواطن السوي سيطرح آجلاً أم عاجلاً الأسئلة الكبرى باعتبار أنه دفع ثمناً غالياً للحفاظ على وحدة الوطن وترابه، ومن حقه أن يحاسب المقصر والمستهتر والمتعجرف والمتعالي والفاسد! ومن حقه أن يطالب بالقضاء العادل، وبفلسفة جديدة للمنصب والموقع العام، بحيث يصبح هذا الموقع العام في خدمته، وليس العكس في خدمة صاحب الموقع وحاشيته!

كثيرة هي الشجون والهموم، ولكن أؤمن إيماناً عميقاً أن الشعب السوري الذي أذهل العالم بصموده وتحمله وصبره وتضحياته الكبيرة، يستحق أن يحصل على تنمية حقيقية، وعلى حريات مسؤولة، وعلى مسؤولين يليقون به، وعلى خدمات راقية، والأهم الاحترام والتقدير.

ما يجب أن نعرفه جميعاً ونعززه في المستقبل، هو تقوية مراكز استطلاع الرأي العام من أجل جس نبض الشارع السوري في كل ما يتعلق بشأنه الداخلي والخارجي، بهدف تصويب المسار وتطويره الدائم، وعدم تكرار أخطاء الماضي، وما أعتقده أن السوريين تعلموا الكثير من الدروس، وعلموا العالم دروساً عديدة أهمها أن سورية وطن فريد من نوعه، ولكن علينا أن نقدسه وندافع عنه، وأن نشعر جميعاً أننا مواطنون متساوون أمام القانون وفي الحقوق والواجبات، كما أن علينا أن نعزز البيئة الأخلاقية العامة، ونؤكد القيم والأخلاق كمسار لابد منه لرفعة بلدنا وتقدمه.

 

وإذا كان البعض يريد أن يعرف من أين البدء، فليبدأ من نفسه وأسرته، علنا ننتج للأجيال الشابة القادمة إرثاً يفتخرون به، كما سيفتخرون بكل شهداء وطنهم وجرحاه، ويعرفون تماماً أن سورية انتزعت استقلالها ووحدتها من جديد.

2017-06-22